27-11-2024
14:15
حديث وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، بشأن مفهوم “العلمانية” وتفسيره لها خلال لقائه بوزير الداخلية الفرنسي على هامش زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، أثار جدلاً واسعاً وردود فعل متباينة. الجدل تفاقم بعد تصريح الوزير بأن “المغاربة علمانيون”، ما خلق التباساً لدى الرأي العام الوطني، خاصة بعد مناقشة الموضوع في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب. لاحقاً، قدّم التوفيق توضيحاً لتفسيره هذا المصطلح وسياق النقاش الذي دار مع نظيره الفرنسي.
سياق النقاش وتوضيحات التوفيق
أوضح التوفيق أن الوزير الفرنسي أبدى استغرابه من موقف المغرب تجاه العلمانية قائلاً: “أتفهم أنكم تستغربون علمانيتنا”، ورد التوفيق: “لا نستغرب علمانيتكم لأننا نعيش حرية التدين، إذ لا إكراه في الدين بالإسلام، حيث تُمارس الشعائر بحرية كاملة”.
وأضاف أن الفرق بين المغرب وفرنسا يكمن في نقطتين أساسيتين: الأولى، غياب قوانين تفصل بين الدين والدولة كما هو الحال في فرنسا منذ تشريعات 1905. والثانية، نظام إمارة المؤمنين في المغرب، الذي يستجيب لحاجيات المجتمع وفق مبادئ البيعة والكليات الخمس، وأبرزها حفظ الدين، مما يجعل الدين في صدارة الأولويات الاجتماعية.
وأشار التوفيق إلى أن اختلاف التجارب التاريخية هو ما يُفسر تباين الأنظمة بين الدول، وأن الفصل بين الدين والدولة في أوروبا كان نتيجة لظروف تاريخية محددة.
ردود الأفعال والانتقادات
تصريحات الوزير لم تمر مرور الكرام، حيث أثارت انتقادات، خاصة من الأوساط الإسلامية. المحلل السياسي محمد شقير رأى أن استخدام التوفيق لمصطلح “العلمانية”، المصنف كإشكالي لدى تيارات مثل حزب العدالة والتنمية، كان سبباً رئيسياً للجدل. وأوضح شقير أن الحزب وظف التصريحات لإثارة جدل شعبي وسياسي، على الرغم من أن مفهوم “العلمانية” الذي أشار إليه الوزير يختلف تماماً عن النموذج الفرنسي، الذي يقوم على الفصل الكامل بين الدين والسياسة.
وأضاف شقير أن تصريحات الوزير تؤكد أن المغرب يتبنى نهجاً دينياً وسطياً، يتيح الحرية الفردية في ممارسة الشعائر، سواء للمسلمين أو أتباع الديانات الأخرى، دون إكراه. وأكد أن النقاش كان من الأولى أن يتجه نحو السياسة الدينية للمغرب في تأطير جاليته بالخارج، خاصة في ظل تحديات التطرف والمنافسة الإقليمية.
رؤية ثقافية وتاريخية
من جهته، رأى الباحث عبد الله بوشطارت أن تصريحات التوفيق تعكس حقيقة التدين المغربي، القائم على الاعتدال والانفتاح. وأوضح أن مفهوم العلمانية المغربية ليس مستورداً من الغرب، بل هو نابع من تقاليد المجتمع الأمازيغي، الذي يمارس فصلاً طبيعياً بين الشأن الديني والشأن السياسي منذ القدم.
وأشار بوشطارت إلى أن المؤسسات التقليدية في المجتمعات الأمازيغية، مثل “الجماعة” و”أمغار”، كانت مسؤولة عن الشؤون الاجتماعية والسياسية، بينما اقتصر دور “الفقيه” أو “الطالب” على المهام الدينية داخل المسجد، دون التدخل في حياة القبيلة اليومية.
وأضاف أن أدبيات الحركة الأمازيغية تؤكد على وجود نموذج “الإسلام الأمازيغي”، الذي يقوم على الوسطية واحترام التنوع الثقافي والديني، ويتجسد في انتشار الطرق الصوفية والزوايا داخل المجتمع المغربي.
خلاصة
في ظل الجدل المثار حول تصريحات الوزير، يبدو أن النقاش حول مفهوم “العلمانية” في السياق المغربي يعكس تباين الفهم بين الأطراف. ومع ذلك، يظل التركيز على استراتيجية المغرب الدينية في الداخل والخارج ضرورياً، خاصة لمواجهة تحديات التطرف وتعزيز نموذج التدين الوسطي الذي يمثل هوية المملكة.