ليكيب نيوز
في تطور لافت في لهجتها الدبلوماسية، تراجعت الجزائر، ولو بشكل جزئي، عن خطابها المتشدد حيال قضية الصحراء، وذلك خلال الزيارة الرسمية الأخيرة التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون إلى إيطاليا. حيث غابت عن تصريحاته المعتادة مصطلحات من قبيل “الاستقلال” و”الاستفتاء”، مقابل التأكيد على دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي عادل للنزاع، بما يضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه في تقرير المصير.
هذا التحول في الخطاب الرسمي أثار تساؤلات بين المتابعين، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي يعرفها الموقف الدولي تجاه هذه القضية، والدعم المتزايد الذي تحظى به المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.
يرى عدد من المحللين أن الخطوة قد تكون مؤشراً على إدراك الجزائر لصعوبة التمادي في خطاب لم يعد يلقى تجاوباً في الأوساط الدبلوماسية، خصوصاً في أوروبا، حيث بدأت عدة دول كإسبانيا وفرنسا والبرتغال تتبنى صراحةً مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الأكثر واقعية ونجاعة.
في هذا الصدد، اعتبر محمد الغيث ماء العينين، الخبير في الدبلوماسية الموازية، أن تصريحات الجزائر تتسم بعدم الانسجام، حيث تدّعي دعمها للحلول السلمية بينما تواصل عرقلة المسار الأممي، مضيفاً أن زيارة تبون إلى إيطاليا لم تأت بأجندة واضحة سوى السعي لاحتواء أي موقف داعم للمغرب من طرف روما.
من جانبه، اعتبر جواد القسمي، الباحث في العلاقات الدولية، أن هذا التراجع الخطابي لا يمكن فصله عن التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، موضحاً أن حذف كلمة “الاستفتاء” من خطاب تبون لا يمثل مجرد تعديل لغوي، بل تكتيكاً دبلوماسياً يهدف إلى التكيّف مع مواقف أوروبية بدأت تميل بشكل متزايد نحو الحل المغربي.
وأضاف القسمي أن هذا التحول قد يمنح الجزائر هامشاً أوسع في النقاش مع الأوروبيين دون الاصطدام المباشر مع الإجماع المتشكل حول المقاربة الواقعية، مسجلاً أن التركيز على “تقرير المصير” وحده يتيح تفسيرات مرنة، دون الالتزام بآلية الاستفتاء التي باتت متجاوزة عملياً.
ورغم الغموض في الموقف الجديد، يرى مراقبون أن الجزائر باتت أمام خيارين: إما الانخراط في منطق دولي جديد أكثر واقعية، أو الاستمرار في تموضع تقليدي يفقدها تدريجياً نفوذها في الملف. الأيام المقبلة كفيلة بإظهار ما إذا كان هذا التحول بداية لإعادة رسم المقاربة الجزائرية، أم مجرد محاولة ظرفية لتفادي الإحراج الدبلوماسي أمام شركاء استراتيجيين.