ليكيب نيوز
تشهد المدن المغربية ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الحوادث المرتبطة بأشخاص يعانون من اضطرابات عقلية، خصوصًا تلك التي تمس السلامة الجسدية للمواطنين في الفضاءات العامة، ما يعكس تحديًا مستمرًا أمام السلطات الأمنية والصحية في تدبير هذه الظاهرة الحساسة.
بحسب معطيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، سُجّلت خلال سنة 2024 ما مجموعه 475 قضية تتعلق باعتداءات أو سلوكيات خطيرة صدرت عن مختلين عقليًا، أسفرت عن توقيف 435 شخصًا، مقارنة بـ254 قضية فقط سنة 2023. وتؤشر هذه الأرقام على تضاعف الحالات خلال سنة واحدة، ما يثير أسئلة ملحة حول أسباب هذا التفاقم ونجاعة المقاربات المعتمدة.
وبحلول نهاية شهر ماي 2025، تم إنجاز 254 قضية جديدة في هذا السياق، وتم توقيف 255 شخصًا، ما يؤكد تواصل هذا المنحى التصاعدي في الأشهر الأولى من السنة الجارية.
وفي هذا الإطار، تؤكد الجهات المعنية أن مصالح الأمن الوطني تُكثّف تدخلاتها الميدانية وتنفّذ حملات دورية في النقاط التي تشهد تواجدًا كثيفًا للمارة والسياح، وذلك من أجل توقيف الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات اضطراب عقلي ويشكلون خطرًا محتملاً على الآخرين، تمهيدًا لإحالتهم على المصالح الصحية المختصة.
وتعمل السلطات المحلية، بتنسيق مع مختلف الفاعلين من قطاعات الصحة والأمن والجماعات الترابية وأسر المرضى، على تنفيذ التدخلات اللازمة وفقًا لأحكام الظهير الشريف المنظم للوقاية من الأمراض العقلية ومعالجة المصابين بها، في انتظار تحيين الإطار القانوني الحالي.
وقد عادت هذه القضية إلى واجهة النقاش العمومي عقب مقتل مواطن بمدينة تارودانت في ماي الماضي، بعد تعرضه لاعتداء مميت على يد شخص مختل عقليًا. وأوضحت السلطات أن الجاني كان قد أحيل فعلاً على مستشفى الأمراض العقلية قبل يومين من وقوع الحادث، ما يطرح علامات استفهام حول فعالية منظومة الإيواء والرعاية.
وتزامنًا مع هذه الحوادث، تصاعدت دعوات المجتمع المدني والمختصين إلى ضرورة إصلاح شامل للسياسة العمومية الخاصة بالصحة النفسية والعقلية، خصوصًا من حيث توفير البنيات التحتية والأطر الطبية المتخصصة، وتفعيل مشروع القانون الجديد الذي ظل معلقًا منذ سنوات، والذي يُنتظر أن يعوّض الإطار القانوني المعتمد منذ 1959.
ويجمع المراقبون على أن التصدي لهذه الظاهرة لا يقتصر فقط على الجانب الأمني، بل يستدعي معالجة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية للمصابين بالأمراض النفسية وضمان رعاية صحية ملائمة لهم، بما يسهم في حماية المواطنين ويصون كرامة هذه الفئة الهشة من المجتمع.