06/11/2024
في السادس من نونبر عام 1975، انطلقت المسيرة الخضراء، واحدة من أعظم المحطات الوطنية في تاريخ المغرب المعاصر، التي جسدت روح الوحدة والتلاحم بين الشعب المغربي وقيادته، وساهمت في استرجاع الصحراء المغربية بطرق سلمية وحضارية.
كانت المسيرة الخضراء حدثاً استثنائياً أكد للعالم حق المغرب التاريخي في أراضيه الجنوبية وقدرته على توحيد شعبه للدفاع عن قضاياه الوطنية، إذ شارك فيها أكثر من 350 ألف مغربي من جميع أنحاء البلاد، حاملين المصاحف والأعلام الوطنية في مشهد تاريخي أظهر عمق الارتباط الروحي والوطني للمغاربة بصحرائهم.
وفي سياق هذه الملحمة، لعبت جهة درعة تافيلالت دوراً بارزاً؛ حيث كانت من بين أولى الجهات التي التحقت بالصحراء المغربية. وفي حديثه عن هذه المشاركة، عبّر محمد ايت أوعيشى، أحد المشاركين من الرشيدية، عن فخره بكونه جزءاً من المسيرة قائلاً: “شعرت بأنني أقوم بواجب وطني مقدس”. وأضاف أن المسيرة لم تكن مجرد حدث عابر بل كانت تجسيداً للوحدة الوطنية وقوة الإرادة المغربية.
قاد الملك الراحل الحسن الثاني هذه المبادرة برؤية حكيمة، مستنداً إلى الإجماع الشعبي حول قضية الصحراء، مما جعل المسيرة نموذجاً عالمياً لحل النزاعات الإقليمية بطرق سلمية، دون إراقة دماء. ولم تكن المسيرة حدثاً سياسياً فقط، بل أيضاً تعبيراً عن الهوية المغربية الجامعة؛ حيث شارك فيها مغاربة من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، مما عزز الشعور بالوحدة الوطنية والانتماء المشترك.
ومن جهته، أكد أحمد بنعلي من زاكورة على أهمية اللقاءات التي جمعت المشاركين من مختلف أرجاء المملكة، قائلاً: “التقينا بمغاربة من كل أنحاء البلاد وشعرنا بقوة الروابط الوطنية التي تجمعنا”. كما وصفها بأنها كانت رسالة قوية إلى العالم حول قدرة المغرب على حشد الدعم الشعبي لمصالحه الوطنية وإدارة قضاياه بحكمة.
ويعتبر الباحثون أن المسيرة الخضراء ستظل محطة مضيئة في تاريخ المغرب، إذ أظهرت للعالم قوة الإرادة المغربية ووحدة صف الشعب خلف قيادته. وبهذا الصدد، قال كريم إغراز، الباحث في تاريخ الصحراء المغربية، إن هذه الملحمة تشكل شاهداً على قدرة المغرب على الإنجاز حين يتوحد شعبه.
من الناحية التنموية، شكلت المسيرة نقطة انطلاق لنهضة شاملة في الأقاليم الجنوبية، حيث شهدت هذه المناطق مشاريع كبرى في البنية التحتية، الصناعة، والسياحة، إضافة إلى تعزيز التعليم والصحة، مما ساهم في تحسين معيشة السكان وخلق فرص عمل جديدة. وذكرت الخبيرة في التنمية الاقتصادية، نعيمة البوعزاوي، أن هذه الجهود عكست التزام المغرب بالتنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية، مؤكدة على التقدم الكبير الذي تحقق في ظل الرؤية الملكية.
ولا تزال المسيرة الخضراء تثير اهتمام المجتمع الدولي كحل مبتكر للنزاعات الإقليمية. وفي هذا السياق، قال عمر ايت الصغير، الباحث في العلاقات الدولية، إن “المسيرة الخضراء كانت نموذجاً للدبلوماسية الشعبية، حيث نجح المغرب في تحقيق أهدافه الوطنية دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية”.
ختاماً، تبقى المسيرة الخضراء رمزاً لتلاحم الشعب المغربي وقيادته، وتجسيداً لروح الوطنية التي توارثها المغاربة. إنها ليست مجرد ذكرى بل مصدر إلهام للأجيال الجديدة للعمل والتضحية من أجل الوطن، وتحقيق التنمية المستدامة في كافة أرجاء المملكة.